سورة النجم - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النجم)


        


فقال الله تعالى منكرًا عليهم: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنْثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} قال ابن عباس وقتادة: أي قسمة جائرة حيث جعلتم لربكم ما تكرهون لأنفسكم. قال مجاهد ومقاتل: قسمة عوجاء. وقال الحسن: غير معتدلة.
قرأ ابن كثير: {ضئزى} بالهمز، وقرأ الآخرون بغير همز.
قال الكسائي: يقال منه ضاز يضيز ضيزًا، وضاز يضوز ضوزًا، وضاز يُضَاز ضازًا إذا ظلم ونقص، وتقدير ضيزى من الكلام فعلى بضم الفاء، لأنها صفة والصفات لا تكون إلا على فعلى بضم الفاء، نحو حبلى وأنثى وبشرى، أو فعلى بفتح الفاء، نحو غضبى وسكرى وعطشى، وليس في كلام العرب فعلى بكسر الفاء في النعوت، إنما يكون في الأسماء، مثل: ذكرى وشعرى، وكسر الضاد هاهنا لئلا تنقلب الياء واوًا وهي من بنات الياء كما قالوا في جمع أبيض بيض، والأصل بوض مثل حمر وصفر، فأما من قال: ضاز يضوز فالاسم منه ضوزى مثل شورى.
{إِنْ هِيَ} ما هذه الأصنام {إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} حجة بما تقولون إنها آلهة. ثم رجع إلى الخبر بعد المخاطبة فقال: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ} في قولهم إنها آلهة {وَمَا تَهْوَى الأنْفُسُ} وما زين لهم الشيطان {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} البيان بالكتاب والرسول أنها ليست بآلهة، فإن العبادة لا تصلح إلا لله الواحد القهار.


{أَمْ لِلإنْسَانِ مَا تَمَنَّى} أيظن الكافر أن له ما يتمنى ويشتهي من شفاعة الأصنام؟
{فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأولَى} ليس كما ظن الكافر وتمنى، بل لله الآخرة والأولى، لا يملك أحد فيهما شيئا إلا بإذنه.
{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ} يعبدهم هؤلاء الكفار ويرجون شفاعتهم عند الله {لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ} في الشفاعة {لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} أي: من أهل التوحيد. قال ابن عباس: يريد لا تشفع الملائكة إلا لمن رضي الله عنه. وجمع الكناية في قوله: {شفاعتهم} والملك واحد؛ لأن المراد من قوله: {وكم من ملك} الكثرة، فهو كقوله: {فما منكم من أحد عنه حاجزين} [الحاقة- 47].
{إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأنْثَى} أي: بتسمية الأنثى حين قالوا: إنهم بنات الله.
{وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} قال مقاتل: معناه ما يستيقنون أنهم بنات الله {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} و{الحق} بمعنى العلم، أي: لا يقوم الظن مقام العلم. وقيل: {الحق} بمعنى العذاب، أي: أظنهم لا ينقذهم من العذاب شيء.
{فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} يعني القرآن. وقيل: الإيمان {وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا.}.
ثم صغر رأيهم فقال: {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} أي: ذلك نهاية علمهم وقدر عقولهم أن آثروا الدنيا على الآخرة.
وقيل: لم يبلغوا من العلم إلا ظنهم أن الملائكة بنات الله، وأنها تشفع لهم، فاعتمدوا على ذلك وأعرضوا عن القرآن.


{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)}.
{ولله ما في السموات وما في الأرض} وهذا معترض بين الآية الأولى وبين قوله: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا} فاللام في قوله: {ليجزي} متعلق بمعنى الآية الأولى؛ لأنه إذا كان أعلم بهم جازى كلا بما يستحقه، الذين أساؤوا وأشركوا: بما عملوا من الشرك {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} وحدوا ربهم: {بالحسنى} بالجنة. وإنما يقدر على مجازاة المحسن والمسيء إذا كان كثير الملك، ولذلك قال: {ولله ما في السموات وما في الأرض}. ثم وصفهم فقال: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} اختلفوا في معنى الآية، فقال قوم: هذا استثناء صحيح، واللمم من الكبائر والفواحش، ومعنى الآية: إلا أن يلم بالفاحشة مرة ثم يتوب، ويقع الوقعة ثم ينتهي وهو قول أبي هريرة ومجاهد، والحسن، ورواية عطاء عن ابن عباس.
قال عبدالله بن عمرو بن العاص: اللمم ما دون الشرك.
وقال السدي قال أبو صالح: سئلت عن قول الله تعالى: {إلا اللمم}، فقلت: هو الرجل يلم بالذنب ثم لا يعاوده، فذكرت ذلك لابن عباس فقال: لقد أعانك عليها ملك كريم.
وروينا عن عطاء عن ابن عباس في قوله: {إلا اللمم}، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنْ تغفرِ اللهمَّ تغفرْ جَمًّا وأيّ عبدٍ لك لا ألمّا».
وأصل اللمم والإلمام: ما يعمله الإنسان الحين بعد الحين، ولا يكون إعادة، ولا إقامة.
وقال آخرون: هذا استثناء منقطع، مجازه: لكن اللمم، ولم يجعلوا اللمم من الكبائر والفواحش، ثم اختلفوا في معناه، فقال بعضهم: هو ما سلف في الجاهلية فلا يؤاخذهم الله به، وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين: إنهم كانوا بالأمس يعملون معنا؟ فأنزل الله هذه الآية. وهذا قول زيد بن ثابت، وزيد بن أسلم.
وقال بعضهم: هو صغار الذنوب كالنظرة والغمزة والقبلة وما كان دون الزنا، وهو قول ابن مسعود، وأبي هريرة، ومسروق، والشعبي، ورواية طاووس عن ابن عباس.
أخبرنا عبدالواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمود بن غيلان، أخبرنا عبدالرزاق، أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس قال: ما رأيت أشبه باللمم مما قاله أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك ويكذبه».
ورواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد: «العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى».
وقال الكلبي: {اللمم} على وجهين: كل ذنب لم يذكر الله عليه حدًّا في الدنيا ولا عذابًا في الآخرة، فذلك الذي تكفره الصلوات ما لم يبلغ الكبائر والفواحش، والوجه الآخر هو: الذنب العظيم يلم به المسلم المرة بعد المرة فيتوب منه.
وقال سعيد بن المسيب: هو ما لَمَّ على القلب أي خطر.
وقال الحسين بن الفضل: {اللمم} النظرة من غير تعمدٍ، فهو مغفور، فإن أعاد النظرة فليس بلمم وهو ذنب.
{إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} قال ابن عباس: لمن فعل ذلك وتاب، تم الكلام هاهنا، ثم قال: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ} أي خلق أباكم آدم من التراب {وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ} جمع جنين، سمي جنينًا لاجتنانه في البطن {فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} قال ابن عباس: لا تمدحوها. قال الحسن: علم الله من كل نفس ما هي صانعة وإلى ما هي صائرة، فلا تزكوا أنفسكم، لا تبرؤوها عن الآثام، ولا تمدحوها بحسن أعمالها.
قال الكلبي ومقاتل: كان الناس يعملون أعمالا حسنة ثم يقولون: صلاتنا وصيامنا وحجنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} أي: بر وأطاع وأخلص العمل لله تعالى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7